فصل: تفسير الآيات (123- 126):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (123- 126):

{قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)}.
يقول تعالى لآدم وحواء وإبليس: اهبطوا منها جميعًا، أي: من الجنة كلكم. وقد بسطنا ذلك في سورة البقرة.
{بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} قال: آدم وذريته، وإبليس وذريته.
وقوله: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى} قال أبو العالية: الأنبياء والرسل والبيان.
{فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} قال ابن عباس: لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة.
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي} أي: خالف أمري، وما أنزلته على رسولي، أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} أي: في الدنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حَرَج لضلاله، وإن تَنَعَّم ظاهره، ولبس ما شاء وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى، فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبة يتردد. فهذا من ضنك المعيشة.
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} قال: الشقاء.
وقال العوفي، عن ابن عباس: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} قال: كل مال أعطيته عبدًا من عبادي، قل أو كثر، لا يتقيني فيه، فلا خير فيه، وهو الضنك في المعيشة. ويقال: إن قومًا ضُلالا أعرضوا عن الحق، وكانوا في سعة من الدنيا متكبرين، فكانت معيشتهم ضنكا؛ وذلك أنهم كانوا يرون أن الله ليس مخلفًا لهم معايشهم، من سوء ظنّهم بالله والتكذيب، فإذا كان العبد يكذب بالله، ويسيء الظن به والثقة به اشتدت عليه معيشته، فذلك الضنك.
وقال الضحاك: هو العمل السيئ، والرزق الخبيث، وكذا قال عكرمة، ومالك بن دينار.
وقال سفيان بن عيينة، عن أبي حازم، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد في قوله: {مَعِيشَةً ضَنْكًا} قال: يضيق عليه قبره، حتى تختلف أضلاعه فيه. قال أبو حاتم الرازي: النعمان بن أبي عياش يكنى أبا سلمة.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعة، حدثنا صفوان، حدثنا الوليد، حدثنا عبد الله بن لهيعة، عن دَرَّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} قال: «ضمة القبر». الموقوف أصح.
وقال ابن أبي حاتم أيضًا: حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج أبو السمح، عن ابن حُجَيْرة- اسمه عبد الرحمن- عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المؤمن في قبره في روضة خضراء، ويرحب له في قبره سبعون ذراعا، وينور له قبره كالقمر ليلة البدر، أتدرون فيم أنزلت هذه الآية: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا}؟ أتدرون ما المعيشة الضنك؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «عذاب الكافر في قبره، والذي نفسي بيده، إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تِنِّينًا، أتدرون ما التنين؟ تسعة وتسعون حية، لكل حية سبعة رؤوس، ينفخون في جسمه، ويلسعونه ويخدشونه إلى يوم يبعثون».
رفعه منكر جدًا.
وقال البزار: حدثنا محمد بن يحيى الأزدي، حدثنا محمد بن عمرو حدثنا هشام بن سعد، عن سعيد بن أبي هلال، عن أبي حُجَيْرة عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} قال: «المعيشة الضنك الذي قال الله تعالى: أنه يسلط عليه تسعة وتسعون حية، ينهشون لحمه حتى تقوم الساعة».
وقال أيضًا: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا أبو الوليد، حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} قال: «عذاب القبر». إسناد جيد.
وقوله: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} قال مجاهد، وأبو صالح، والسدي: لا حجة له.
وقال عكرمة: عُمِّي عليه كل شيء إلا جهنم.
ويحتمل أن يكون المراد: أنه يُحشَر أو يبعث إلى النار أعمى البصر والبصيرة أيضًا، كما قال تعالى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء: 97]. ولهذا يقول: {رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} أي: في الدنيا.
{قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} أي: لما أعرضت عن آيات الله، وعامَلْتها معاملة من لم يذكرها، بعد بلاغها إليك تناسيتها وأعرضت عنها وأغفلتها، كذلك نعاملك اليوم معاملة من ينساك {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا} [الأعراف: 51] فإن الجزاء من جنس العمل، فأما نسيان لفظ القرآن مع فهم معناه والقيام بمقتضاه، فليس داخلا في هذا الوعيد الخاص، وإن كان مُتَوَعدًا عليه من جهة أخرى، فإنه قد وردت السنة بالنهي الأكيد، والوعيد الشديد في ذلك، قال الإمام أحمد:
حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا خالد، عن يزيد بن أبي زياد، عن عيسى بن فائد، عن رجل، عن سعد بن عبادة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من رجل قرأ القرآن فنسيه، إلا لقي الله يوم يلقاه وهو أجذم».
ثم رواه الإمام أحمد من حديث يزيد بن أبي زياد، عن عيسى بن فائد، عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر مثله سواء.

.تفسير الآية رقم (127):

{وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127)}
يقول تعالى: وهكذا نجازي المسرفين المكذبين بآيات الله في الدنيا والآخرة، {لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ} [الرعد: 34] ولهذا قال: {وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} أي: أشد ألمًا من عذاب الدنيا، وأدوم عليهم، فهم مخلدون فيه؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين: «إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة».

.تفسير الآيات (128- 130):

{أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأولِي النُّهَى (128) وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130)}.
يقول تعالى: {أَفَلَمْ يَهْدِ} لهؤلاء المكذبين بما جئتهم به: يا محمد، كم أهلكنا من الأمم المكذبين بالرسل قبلهم، فبادوا فليس لهم باقية ولا عين ولا أثر، كما يشاهدون ذلك من ديارهم الخالية التي خلفوهم فيها، يمشون فيها، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأولِي النُّهَى} أي: العقول الصحيحة والألباب المستقيمة، كما قال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46]، وقال في سورة الم السجدة: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ} [السجدة: 26].
قال تعالى: {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى} أي: لولا الكلمة السابقة من الله وهو أنه لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه، والأجل المسمى الذي ضربه الله تعالى لهؤلاء المكذبين إلى مدة معينة لجاءهم العذاب بغتة؛ ولهذا قال لنبيه مسليًا له: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} أي: من تكذيبهم لك، {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} يعني: صلاة الفجر، {وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} يعني: صلاة العصر، كما جاء في الصحيحين عن جرير بن عبد الله البَجَليّ رضي الله عنه قال: كنا جلوسًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: «إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تُضَامُّون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، فافعلوا» ثم قرأ هذه الآية.
وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عن عمارة بن رُوَيْبة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لن يَلجَ النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها».
رواه مسلم من حديث عبد الملك بن عمير، به.
وفي المسند والسنن، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر في ملكه مسيرة ألف سنة، ينظر إلى أقصاه كما ينظر إلى أدناه، وإن أعلاهم منزلة لَمَنْ ينظر إلى الله عز وجل في اليوم مرتين».
وقوله: {وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ} أي: من ساعاته فتهجد به. وحمله بعضهم على المغرب والعشاء، {وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} في مقابلة آناء الليل، {لَعَلَّكَ تَرْضَى} كما قال تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 5].
وفي الصحيح: «يقول الله: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك. فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول: إني أعطيكم أفضل من ذلك. فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدًا».
وفي الحديث الآخر يقال: «يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعدا يريد أن يُنْجزكُمُوه. فيقولون: وما هو؟ ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويزحزحنا عن النار، ويدخلنا الجنة؟ فيكشف الحجاب فينظرون إليه فوالله ما أعطاهم خيرًا من النظر إليه، وهي الزيادة».

.تفسير الآيات (131- 132):

{وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)}
يقول تعالى لنبيه محمد صلوات الله وسلامه عليه: لا تنظر إلى هؤلاء المترفين وأشباههم ونظرائهم، وما فيه من النعم فإنما هو زهرة زائلة، ونعمة حائلة، لنختبرهم بذلك، وقليل من عبادي الشكور.
وقال مجاهد: {أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} يعني: الأغنياء فقد آتاك الله خيرًا مما آتاهم، كما قال في الآية الأخرى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ * لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} [الحجر: 87، 88]، وكذلك ما ادخره الله تعالى لرسوله في الدار الآخرة أمر عظيم لا يُحَدّ ولا يوصف، كما قال تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 5] ولهذا قال: {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}.
وفي الصحيح: أن عمر بن الخطاب لما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك المشربة التي كان قد اعتزل فيها نساءه، حين آلى منهم فرآه متوسدًا مضطجعًا على رمال حصير وليس في البيت إلا صُبْرَة من قَرَظ، وأهَب معلقة، فابتدرت عينا عمر بالبكاء، فقال رسول الله: «ما يبكيك؟».
فقال: يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت صفوة الله من خلقه؟ فقال: «أوفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عُجِّلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا».
فكان صلوات الله وسلامه عليه أزهد الناس في الدنيا مع القدرة عليها، إذا حصلت له ينفقها هكذا وهكذا، في عباد الله، ولم يدخر لنفسه شيئًا لغد.
قال ابن أبي حاتم: أنبأنا يونس، أخبرني ابن وهب، أخبرني مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يَسَار، عن أبي سعيد؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم ما يفتح الله من زهرة الدنيا». قالوا: وما زهرة الدنيا يا رسول الله؟ قال: «بركات الأرض».
وقال قتادة والسدي: زهرة الحياة الدنيا، يعني: زينة الحياة الدنيا.
وقال قتادة {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} لنبتليهم.
وقوله: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} أي: استنقذهم من عذاب الله بإقام الصلاة، واصطبر أنت على فعلها كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6].
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب أخبرني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أن عمر بن الخطاب كان يبيت عنده أنا ويرفأ، وكان له ساعة من الليل يصلي فيها، فربما لم يقم فنقول: لا يقوم الليلة كما كان يقوم، وكان إذا استيقظ أقام- يعني أهله- وقال: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}.
وقوله: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ} يعني إذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيث لا تحتسب، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب} [الطلاق: 2، 3]، وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 56- 58] ولهذا قال: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ} وقال الثوري: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا} أي: لا نكلفك الطلب.
وقال ابن أبي حاتم أيضًا حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا حفص بن غياث، عن هشام، عن أبيه؛ أنه كان إذا دخل على أهل الدنيا، فرأى من دنياهم طرفًا فإذا رجع إلى أهله، فدخل الدار قرأ: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} إلى قوله: {نَحْنُ نَرْزُقُكَ} ثم يقول: الصلاة الصلاة، رحمكم الله.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن أبي زياد القَطَوَاني، حدثنا سَيَّار، حدثنا جعفر، عن ثابت قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابه خصاصة نادى أهله: «يا أهلاه، صلوا، صلوا». قال ثابت: وكانت الأنبياء إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة.
وقد روى الترمذي وابن ماجه، من حديث عمران بن زائدة، عن أبيه، عن أبي خالد الوالبي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: يا ابن آدم تَفَرَّغ لعبادتي أمْلأ صدرك غنى، وأسدّ فقرك، وإن لم تفعل ملأتُ صدرك شغلا ولم أسدّ فقرك».
وروى ابن ماجه من حديث الضحاك، عن الأسود، عن ابن مسعود: سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: «من جعل الهموم هما واحدا هم المعاد كفاه الله هَمّ دنياه. ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديته هلك».
وروي أيضًا من حديث شعبة، عن عُمَر بن سليمان عن عبد الرحمن بن أبان، عن أبيه، عن زيد بن ثابت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كانت الدنيا هَمَّه فرَّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتِبَ له. ومن كانت الآخرة نيَّته، جمع له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة».
{وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} أي: وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة، وهي الجنة، لمن اتقى الله.
وفي الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت الليلة كأنا في دار عقبة بن رافع وأنا أتينا برطب من رطب ابن طاب، فأولت ذلك أن العاقبة لنا في الدنيا والرفعة وأن ديننا قد طاب».